السبت، 28 مايو 2011

نشيج الأطلال 5


وتمضي الأيام والشهور والسنون ..
تتوالى في إثرها سنوات العمر


لم نعد نتذكر الخيوط القاتمة التي كانت تلامس ذلك الوشاح الأبيض المثير

والذي كنا نقلبه بالأمس بأيادينا ..

  مزيج من ذكريات أنيسة..

وأخرى قاتمة ..   ادلهمت بفقد أحبة كانوا إلى الجوار

حينما كانت أرواحهم تضيء لنا آفاق حياتنا .. ودفء أفئدتهم يصرف القر عن أرواحنا ..

وتتوارد أيام العمر تباعا

تتوالى بنا سفينة الحياة يمنة ويسرة

ونحن سائرون في قدرنا الذي كتبه الباريء لنا ..

نتذكر بيت الطين
ونتذكر الضحكات التي كانت تضج بها الدار

وحينما يتملكنا الضجر نخرج من الدار فنجد الطرقات قد ازدانت بالغادي والرائح ..

نندمج معهم في بحبوحة الحياة .. وندلف مابين هذا الممر وذلك البستان ..


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


وأشرعت بوابة الذكريات ..

 تلقاء ذلك الماضي التليد .. يوم أن كنا اطفال الأمس ..

كانت البساتين عامرة بأشجارها الوارفة
والأطيار تتهادى بين جنباتها  .. 


أما المــاء ؟!...


فقد شق دروبه من غير دليل

 يتهادى في ( الساقي ) مابين هذه النخلة وتلك الشجرة ..

أجل ..

كان للحياة عنفوان ..

وكان للبهجة ملامح .. أيقنت أن مامضى لن يعود

فذهبت لأسترسل في تأملاتي

 لحياة قد كانت هاهنا..

وطفقت أسير عبر الطرقات ...  أسير وانا أسير زنزانة الماضي التليد ..
ذكرى الدار القديمة .. والممر الضيق الذي اتسع للهو وضحكات الصبيان ..

فهذه دار كانت عامرة في الماضي ..



واليوم باتت تلعب بنافذتها رياح الزمان


تهدهدها كي تكف عن نحيبها أهلها الذين برحوها منذ سنين




نافذة ارتسمت على محياها أثار السنين ..

 شاخت وشحب لونها ..


  وتوارى ريعان شبابها طي النسيان ..


شاخت وباتت إرثاً لعهد ولّى مدبراً ولم يعقب ..


وطفت أسير بين هذه الدار وتلك

يضيق علي الطريق تارة ويتسع تارة أخرى ..


أتأمل هذه ( السكة ) .. حيث يهرع فيها الصبية حاملين معهم نقودهم المعدنية التي كانت تتباهى آنذاك على صويحباتها الورقية

قبل أن يتبدل الزمان
وتصبح تلك القطع المعدنية ضيفاً غير مرغوباً فيه لدى باعة هذا الزمان

فتتحول تلك القطع المعدنية إلى مضغات حالما يتم الخروج من متجر اليوم


كنا نهرع عبر هذا الزقاق..

متجهين صوب  دكان الصغير ..



وبلغ بي الحنين أن أسير عبر هذا السبيل والذي لطالما اشتكى وقع خطانا عليه

جيئة وذهابا

فنهرع إلى هناك
في آخر المسار .. كي نبتاع مايسد رمقنا
ويشرع أبواب البهجة في نفوسنا الصغيرة آنذاك
واليوم أراني في ذات المسار ..
كي أبلغ الدكان .. الذي صورته لي عدسة الذكريات


حتى بلغت المكان .. لأجده قد استحال غرفة محكمة  ..

ليس للماضي فيها أثر ..




وعدت أدراجي من حيث أتيت ..

فبدأت أسوار الذكريات .. تتداعى من حولي وحيداً

تذكرت مقتنياتي وصحبتي من ذاك الدكان 
 علبة عصير وبسكويت وحلوى .. نجتمع هنا سوياً .. ثم ننطلق  إلى  ( كشتتنا ) - نزهتنا - صوب أحد البساتين .. نجلس في أحضان 3 نخلات ، والساقي يجري من أمامنا .. لنشرب ونغتسل منه ونتسامر هناك .. يمر بنا شباب القرية حاملين بنادقهم للصيد .. وهناك الأمهات .. قد أوقدن التنور .. ذلك التنور الذي كانت تُخبز فيه - المراصيع - والتي كانت سيدة الطعام آنذاك..


 

وهاهو البستان الذي كان
أصبح هشيماً تذروه الرياح
وكان الله على كل شيء مقتدراً سبحانه



كان بستاناً وارفاً

ازدان خضرة وارفة .. كان هنا المرج القشيب ..

وتشابكت سعف نخيله في عناق ولقاء  .. قد فرقه الزمان هذا اليوم كما فرق أصحابه ومن ساروا بين جنباته

أشجار الرمان التي كانت بالأمس  وارفة   ، والنبق قد توارى عن ربوعه

وأثناء تأملاتي

يممت الوجهة حيث ذاك التنور

حيث توارى هو الاخر عن مشهد اليوم

لقد كان هاهنا منذ عقود ولت سراعاً كعقود اللؤلؤ التي انفضت من مسبحة شيخ وقور ..


ليظل هذا أثر التنور .. كل ماتبقى من ماضينا الجميل

وتخيلت أني اسمع صوت النار تضطرم في جوفه .. واليوم قد أضرمت ذكراه السنين .. ليبقى هذا لأثر شاهداً عليه ..


وهنا كان هذا البستان الوارف .. لاتكاد ترى طريقك من أثر أشجار النخيل ..

 ومن خلفه كان قراري وصحبتي

حيث كان مكان الإجتماع

  في أحضان نخلات ثلاث ..

 كان يجري من أمامنا ساقي الماء ..

لقد اختفى كل شيء

وأنمحت آثار الزمن الجميل ..

--------

خرجت من البستان ..

وأتجهت صوب ساحة في القرية

كانت تعج بالجميع

الصغار يلهون بلعبة المطاردة - الحبشة - ، والصبيان يلهون بدراجاتهم - والشبان يلعبون لعبة  - البير -


حيث يمسك اللاعب بالعصا ويقوم برفع قطعة صغيرة من الخشب في الهواء ثم ضربها بالعصا الكبيرة في الهواء لتستقر بعيداً

 هنا ..
في هذا المكان
بساطة الحياة
ومتعتها الغامرة
فلا العاب تلفزيونية
ولا قنوات فضائية
أو غيرها مما كدر جوف الفضاء
فانهال على افئدتنا
وأشربها الكدر

 -----------

تركت الساحة وتوجهت للدار التي كانت أشبه بالقصر في أعيننا ذلك الحين


هنا كانت غرفة النوم

وقبلها كانت غرفة الطبخ .. حيث كان الطعام يطهى في قدر كبيرة  عبر موقد غاز صغير


والشمس كانت مصباح الغرفة الوهاج

عبر نافذة الماضي الجميل

فما أجمل تمازج نور الشمس وظل الطين !

إني لأشم عبق الماضي لولا أن تفندون ..


لم يكن هذا الا طيف عابر من ذكرى مرت ولن تعود
وهيهات ان تعود تلك الحياة..
 حاولت استرجاع كل مامر من ذكريات
غير أنها فاقت الذاكرة احتمالاً ..

ودعت الدار

ويممت الطرف تلو النافذة الصغيرة



وكأني بي المح شمس الماضي .. من خلف قضبان النافذة .. لا أهتدي للوصول إليها سبيلا..


كل شيء تحول
والأهل قد غادروا الدار

كل شيء تغير وزال
لم يبق هنا أحد

سوى ساكن واحد

ظل يعشق بيت الطين لسنوات طوال

ولا زال !


فما أهنأه بماضٍ لايزول !

تركت هذا المكان
وبدأت اجول بين جنبات الدار
من حجرة لأخرى

حتى استقريت أمام هذه الدرجات


تمنيت لو استطعت الوصول إلى عليّة الدار

حيث يوجد المزيد من الذكريات



ولا ادري هل ستصمد هذه الدرجات عند صعودها ، فأبلغ العتبة الأخيرة من السلم قبل أن ينهار بي ؟ أم تنهار ذكرياتي قبل الوصول إلى هناك .. فلا أعد اميز أو أتذكر ماسيتبدى أمام ناظري ؟

وقبل أن أودع الدار

وجهت الطرف تلقاء هذه الأوعية


كانت تمتليء آنذاك بحليب الماعز
قبل ان ييبس الزرع .. ويجف الضرع ..

واليوم .. ظلت شاهدة على زمان قد مات ..

-------

وقبل أن اودع البلد القديم



توجهت لمصلى العيد ، لأستشعر أن العيد آنذاك

كان عيداً بحق

وجزء من ذكريات ظلت حبيسة بين أسواره

أبت إلا أن أن تمضي مع أيامنا القديمة ..

وتغادر من هذا الباب



حيث كان هاهنا الماضي التليد ..

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق