بتثاقل ...
يخطو على الرصيف ،
غير عابيء بالسيارات التي تعصف أمامه
لم يبدِ اهتماماً فقد كان سادراً في تفكيره
غارقاُ في تأملاته
حتى لو تمايلت الأرض زلزالاً
أو هوى من السماء نجم ثاقب ...
لن يسترعي منه انتباهه!
يتبسم له الجميع ..
أما هو ؟؟
فكان ينظر إليهم بإكفهرار !!
هم يرون تعابير وجهة ، ولكن على بصره غشاوة فلا ينال أشباههم
لقد أعمت الأفكار المتأججة بصره
وأشتد الصراع داخل عقله ..
إنه يعيش معهم جسداً ،
وعقله تعصف به دوامة لا قعر لها!
يرى نفسه داخل معركة مع الأفكار والوساوس والأوهام.. يراها معركة إشتد رحاها فلم يعد لها في تصوره أنها ستؤول إلى زوال !
وبعد كرٍ وفر .. رفع رأسه
ورنا ببصره
إلى سياج حديدي قد اعتلاه الصدأ
قد شُرِعَت إحدى درفتيه
تسلل عبرها إلى مكان أقل رحابة
وأخفت ضوضاء .. فكأني به يودع العالم الصاخب الذي أجبره على الهروب إلى عالم آخر من التفكير العميق!
وتسلل صاحبنا داخل حديقة صغيرة .. ودلف بخطوات تتحامل على بعضها فوق العشب الذي اصفّر وأصبح كالهشيم .. ويرنو صوب ارجوحة قديمة في قلب الحديقة .. يتجه إليها ، بينما فؤاده يهيم في فضاءات الأفكار يصارع بعضها بعضا .. يمسك بيده السلسلة الحديدية لتلك الأرجوحة ، سلسلةً طال صمودها ، ظلّت ممسكة لوحدها بمقعد الأرجوحة بعد أن فارقتها أختها التي كانت تعاضدها في حمل ذلك المقعد
وفيما كان يبحر صاحبنا في خضم صراعات من التفكير والتأمل ، سمع صوت مكابح سيارة مسرعة .. ونفيرٌ يصمّ الآذان .. شتت انتباهه ، وبعثر أفكاره ، كان ذلك كسوط من البرق فرّق كبد الغمام
كان صوت المكابح والنفير لسيارة تدارك سائقها فتاة تحاول عبور الشارع ، وحاول بكل ما أوتي من قوة أن يمنع كارثة مثلت أمامه ..
ودار الشريط السينمائي المعروض على حلبة الواقع أمام صاحبنا .. ورأى أم ملهوفة تهرع إلى ابنتها فتحتضنها في لهفة حارقة وشوق مضن .. إنها فلذة كبدها التي كادت تضيع من بين يديها .. رأى صنفان من الدموع يمتزجان .. دموع الخوف في عين الصغيرة والرعب يحدد ملامحها .. ودموع الفرح والعتاب في عيني الأم .. رأى ذلك كله ..
وبعد هذا كله تراءى له عالمان , عالم الوهم وعالم الواقع .. فأدرك أنه كان يعيش في وهم عميق ! ومعركة بلا نهاية لولا أن مثل طيف تلك الفتاة أمامه وهي تتدارك مرارة الواقع !
وليس الخيال !
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق